فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري:

{تبارك الّذِي بِيدِهِ الْمُلْكُ وهُو على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ (1)}
التفسير:
كثير خير من تحت تصرفه وتسخيره {الملك} الحقيقي {وهو على} إيجاد {كل} ممكن وإعدامه {قدير} بيانه أنه {خلق الموت والحياة} وهما عرضان يتعاقبان على كل من صح عليه ذلك. فالموت نظير الإعدام والحياة مثلا الإيجاد، وتقديم الموت لأن الأصل في الأشياء العدم، قال مقاتل: يعني كونه نطفة وعلقة ومضغة ثم نفخ فيه الروح.
وعن ابن عباس: الموت في الدنيا والحياة في الآخرة دار الحيوان، وإن الله خلق الموت في صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد رائحته شيء إلا مات، وخلق الحياة في صورة فرس بلقاء فوق الحمار ودون البغل لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي، قال الحكماء الإسلاميون: هذا على سبيل التمثيل وإلا فالعرض لا يكون جوهرا.
أقول: لعل الأملح والبلقاء إشارة إلى أن هذين العرضين في عالمنا هذا لا يطرآن إلا على ما فيه طبائع متضادة فتكون بسبب ذلك تارة وتفقد أخرى. قال جار الله: إنما قدم الموت لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه، فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم. زعم الكلبي أنه تعالى قادر على مثل مقدور العبد، وقال أبو علي وأبو هاشم: إنه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد. وقالت الأشاعرة: إنه قادر على القبيلين وإلا لم يكن على كل شيء قدير وهو خلاف الآية فلزمهم صحة وجود مقدور بين قادرين وبهذا بطل القول بالطبائع على ما تقوله الفلاسفة، وبالمتولدات على ما تقوله المعتزلة، ويكون العبد موجد الأفعال نفسه. ومعنى الغاية في قوله: {ليبلوكم} أنه إذا علم أن وراء الموت حياة وحالة يستوي فيها الغني والفقير والمولى والعبد ولا ينفعه إلا ما قدم من خير صار ذلك داعيا إلى جسن العمل وزاجرا عن ضده. وكذا لو قيل: إن الموت حال كونه نطفة والحياة نفخ الروح في الجنين فإنه إذا تفكر في أمور نفسه علم أن وراء هذه الحياة موتا ينقطع به تدارك ما فات، وأن الدنيا مزرعة الآخرة. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلاها فلما بلغ قوله: {أيكم أحسن عملا} قال: أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لقومه «لو أكثرتم ذكرها ذم اللذات لشغلكم عما أرى» والابتلاء مجاز كما مر في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم} وفي الكهف قوله: {أيكم أحسن عملا} مفعول ثاني {ليبلوكم} على أنه متضمن معنى العلم وليس هذا من باب التعليق لأن التعليق هو أن تكون الاستفهامية سادة مسد المفعولين جميعا نحو (علمت أزيد منطلق) نعم إنه تعليق على قول الفراء والزجاج لأنهما قالا تقديره ليبلوكم فيعلم أيكم أحسن عملا {وهو العزيز} الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل {الغفور} لمن تاب من أهل الإساءة، وهذان الوصفان يتوقفان على كمال القدرة والعلم فلا جرم دل عليهما {الذي خلق سبع سموات طباقا} أي ذات طباق أو طوبقت طباقا أو هو وصف بالمصدر مبالغة أي مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل إذا طار طارقها. ثم أشار إلى أنها محكمة متقنة بقوله: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} أو تفوّت قال الفراء: وهما واحد ومعناه يرجع إلى عدم التناسب والنظام بحيث يقول الناظر الفهم لو كان كذا لكان أحسن، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل راءٍ. والأصل ما ترى فيهن فعدل إلى العبارة الموجودة تعظيما لخلقهن وتنبيها على أنه سبب تناسبهن كقوله: {خلق الرحمن}.
فلو علم للمكلفين أنفع من هذا الخلق لفعل. وفسر بعضهم التفاوت بالفطور لقوله: {هل ترى من فطور} أي صدوع وشقوق وخروق وفتور كل هذه من عبارات المفسرين وهو كقوله في أول (ق) {وما لها من فروج} [ق: 4] وإنما أمر برجع البصر لأن النظرة الأولى حمقاء، ثم أمر بتكرير رجع البصر كرتين وهو تثنية الكرة مثل لبيك وسعديك إلى أن يحسر بصره من طول المعاودة فإنه لا يعثر على شيء من الخلل والعيب، ومعنى {خاسئا} بعيدا عن إصابة الملمس، قوله: {ولقد زينا} قد مر تفسيره في (حم السجدة). والرجوم جمع رجم مصدر سمي به ما يرجم به. وقيل: معناه جعلناها ظنونا ورجوما بالغيب لشياطين الإنس وهم الأحكاميون من أهل التنجيم. وحين بين أنه أعد لهؤلاء عذاب السعير في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا عمم الوعيد بقوله: {وللذين كفروا} الآية. ثم وصف جهنم بصفات منمها أن {لها شهيقا} تشبيها لحسيسها المنكر الفظيع بصوت الحمار. ويجوز أن يكون الشهيق لأهلها ممن تقدم طرحهم أو من أنفسهم ومنها الفوران. قال ابن عباس: تغلي بهم كغلي المرجل. وقال مجاهد: تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل. ويجوز أن يكون من فور الغضب يؤيده قوله: {تكاد تميز من الغيظ} يقال فلان يتميز غيظا وغضبا فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء إذا وصفوه بالإفراط فيه، ولعل السبب في هذا المجاز هو أن الغضب حالة تحصل عند غليان دم القلب، والدم عند الغليان يصير أعظم حجما ومقدارا فيمدد الأوعية حتى كادت تنشق وتنخرق، فجعل ذكر هذا اللازم كناية عن شدة الغضب، وقيل: الغيظ للزبانية احتجت المرجئة بقوله: {كلما ألقي} الآية. على أنه لا يدخل النار إلا الكفار لأنه تعالى حكى عن كل من ألقي فيها أنه قال كذبنا النذير أجاب القاضي بأن النذير قد يطلق على ما في المقول من الأدلة المحذرة عن المعصية فيشمل الفاسق، القائلون بأن معرفة الله وشكره لا يجبان إلا بعد ورود الشرع. احتجوا بأنه تعالى ما عذبهم إلا بعد مجيء النذير. ثم حكى عن أهل النار أنهم يقولون للخزنة {لو كنا نسمع} الإنذار سماع من كان طالبا للحق أو نعقله عقل متأمل متفكر {ما كنا في أصحاب السعير} وإنما جمع بين السمع والعقل لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل واحتج بالآية من فضل السمع على البصر لأنه تعالى جعل مناط الفوز السمع ولم يذكر البصر القائل بأن الدين لا يتم إلا بالتعليم. احتج بأنه قدم السمع على العقل تنبيها على أنه لابد أولا من إرشاد المرشد وهداية الهادي.
وأجيب بأن سبب التقديم هو أن المكلف لابد أن يسمع قول الرسول ثم يتفكر فيه. قال في الكشاف: ومن بدع التفاسير أن المراد لو كنا على مذهب أصحاب الحديث أوعلى مذهب أصحاب الرأي، ثم قال في إبطاله كأن هذه الآية نزلت بعد ظهور هذين المذهبين، وكأن سائر أصحاب المذاهب والمجتهدين قد أنزل الله وعيدهم، وكأن من كان من هؤلاء فهو من الناجين لا محالة. قلت: الإنصاف أن نزول الآية قبل المذهبين لا ينافي توبيخ أهل النار يوم القيامة أنفسهم بأنهم على تلك السيرة، وكم من قصة قد أخبر الله بوقوعها من قبل أن تقع وهو أحد أنواع إعجاز القرآن وأيضا لا يلزم من كونهما ناجمين كون غيرهما من أهل الوعيد. وأيضا على هذا التفسير لو صح يلزم كونهما من أهل النجاة قطعا فينضم إلى المبشرين أفراد غير محصورة فضلا عن حادي عشر فيكون دعوى انحصار المبشرين في العشرة مصادرة على المطلوب. والفاء في قوله: {فاعترفوا} للنتيجة أي فصح بعد البيانات السابقة أنهم اعترفوا {بذنبهم} قال مقاتل: يعني تكذيبهم الرسل. قال الفراء: الذنب هاهنا بمعنى الجمع لأن فيه معنى الفعل كما يقال: خرج عطاء الناس أي أعطيتهم. ثم بين أن ذلك الاعتراف مما لا ينفع قائلا فيه {فسحقا} أي فبعدا لهم عن رحمة الله اعترفوا أو جحدوا. والتخفيف والتثقيل لغتان والمعنى أسحقهم الله سحقا. وقال أبو علي: إسحاقا إلا أن المصدر جاء على الحذف كقولهم (عمرك الله) ثم أتبهم الوعيد الوعد قائلا {إن الذين} الآية. وقد مر مرارا. ثم هدد على العموم فقال: {وأسروا} وهو من التسرية وعلل ذلك بقوله: {أنه عليم بذات الصدور} قال ابن عباس: كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء فيخبره جبرائيل فقالوا: أسروا قولكم لئلا يسمعه إله محمد فأنزل الله الآية بيانا لجهلهم. ثم استدل على كمال علمه بنوع آخر قائلا {ألا يعلم من خلق} ومحل {من} رفع أي ألا يعلم من خلق مخلوقه، وذلك أن خلق الشيء يتوقف على معرفة تفاصيل كمياته وكيفياته من خلقه، وجوز أن يكون (من) بمعنى (ما) ويكون إشارة إلى ما يسره الخلق ويجهرونه ويضمرونه في صدورهم، وهذا يقتضي أن تكون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى. وقد يستدل بالوجهين الأولين أيضا على ذلك لأن العبد لو كان موجدا لأفعال نفسه لكان عالما بتفاصيلها بناء على الآية. ولكنه غير عالم بتفاصيلها لأنه لا يعرف مقادير حركته وسكونه وكمية الجواهر الفردة الواقعة على مسافته، بل لا يعرف الأسباب السابقة والغايات اللاحقة لا بكلها ولا بأكثرها في كل من أفعاله. وأنكر في الكشاف أن يكون قوله: {ألا يعلم} متروك المفعول على تقادير كون (من) مرفوع المحل نحو (فلان يعطي) قال: لأن قوله: {وهو اللطيف الخبير} حال والشيء لا يوقت بنفسه فلا يقال: ألا يعلم وهو عالم ولكن، ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شيء قلت: أما قوله: {وهو اللطيف} حال فممنوع ولم لا يجوز أن يكون مستأنفا، وعلى تقدير تسليمه فليس معنى قوله: {ألا يعلم} متروك المفعول على تقدير كون (من) مرفوع المحل حتى يلزم توقيت الشيء بنفسه، بل المعنى ألا يتصف الخالق بالعلم والحال أن علمه وصل إلى بواطن الأشياء وخبايا الأمور.
وذلك أن المتصف بالأخص متصف بالأعم ضرورة. قوله: {هو الذي جعل لكم الأرض} قال أهل النظم: وجه التعلق أنه سبحانه وتعالى قال: أيها الكافرون أنا عالم بسركم وجهركم فكونوا خائفين مني محترزين من عقابي فهذه الأرض التي تمشون في مناكبها وتعتقدون أنها أبعد الأشياء عن الإضرار بكم أنا الذي ذللتها لكم وإن شئت خسفت بكم إياها، والذلول من كل شيء المناقد الذي يذل لك، ومن ذلها أنه ما جعلها خشنة يمتنع المشي عليها، ولا صلبة بحيث لا يمكن حفرها والبناء عليها، ولا متحركة على الاستقامة واستدارة، بل جعلها ساكنة في جو الهواء عند المركز. قال جار الله: المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل لأن ملتقى المنكبين من الغارب أبعد شيء من أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه، فإذا كان هذا الموضع ذلولا فما ظنك بغيره، وعن ابن عباس والضحاك وقتادة أن مناكب الأرض جبالها وآكامها، وإذا كانت هذه الأمكنة مع شخوصها وارتفاعها مذللة فغيرها أولى. قال الحسن ومجاهد والكلبي ومقاتل، وهو رواية عطاء عن ابن عباس واختاره الفراء وابن قتيبة: أن مناكبها جوانبها وطرقها، ومنكبا الرجل جانباه فيكون كقوله: {والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا} [نوح: 19، 20] {وكلوا من رزقه} الذي خلق لكم في الأرض ولا يخفى أن الأمر بالمشي والأكل للإباحة. ثم قال: {وإليه النشور} يعني ينبغي أن يكون مشيكم في الأرض وأكلكم من رزق الله مشي من يعلم وأكل من يتيقن أن المصير إلى الله، والمراد التحذير من المعاصي سرا وجهرا. ثم بين أن بقاءهم سالمين على هذه الأرض إنما هو بفضل الله ولو شاء لخسف بهم الأرض أو أمطر عليهم مطر القهر، واستدلال المشبهة بقوله: {من في السماء} ظاهر. وأهل السنة يتأولونه بوجوه منها: قول أبي مسلم أن العب كانوا يقرون بوجود الإله لكنهم يزعمون أنه في السماء فقيل لهم على حسب اعتقادهم {أأمنتم من} تزعمون أنه {في السماء}
ومنها قول جمع من المفسرين أأمنتم من السماء ملكوته أو سلطانه أو قهره لأن العادة جارية بنزول البلاء من السماء. ومنها قول آخرين أن المراد جبرائيل يخسف بهم الأرض بأمر الله والمور حركة في اضطراب وقد مر في (الطور).
والحاصل ريح فيها حصباء وقد مر أيضا. ثم هدد وأوعد قائلا {فستعلمون كيف نذير} قال عطاء والضحاك عن ابن عباس: هو المنذر يعني محمدا صلى الله عليه وسلم والمعنى فستعلمون رسولي وصدقه حين لا ينفعكم ذلك. وقيل: بمعنى الإنذار أي عاقبة إنذاري إياكم بالكتاب والرسول، ثم مثل بحال الأمم السابقة. قال أبو مسلم: النكير عقاب المنكر. وقال الواحدي: أراد إنكاري وتغييري. ثم برهن على الوحدانية وكمال القدرة بوجوه: الأول {أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات} أي باسطات أجنحتهن لأنهم إذا بسطنها صففن قوادمها صفا. قال أهل المعاني: وإنما قيل {ويقبضن} دون (قابضات) على نحو {صافات} لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والأصل في كل منهما مد الأطراف وبسطها، والقبض طارئ على البسط لأجل الإعانة فالمعنى أنهن صافات ويكون منهن القبض في بعض الأوقات كما يكون من السابح. وإنما قال في (النحل) {ما يمسكهن إلا الله} [الآية: 79] وفي هذه السورة {ما يمسكهن إلا الرحمن} لأن التسخير في جو السماء محض الآلهية، وأما صافات وقابضات فكان إلهامها كيفية البسط والقبض على الوجه المطابق للمنفعة من رحمة الرحمن. {إنه بكل شيء بصير} فيعلم أو يرى كيف يدبر العجائب. قالوا وفي الآية دليل على أن الأفعال الاختيارية للعبد مخلوقة لله تعالى، لأن استمساك الطير في الهواء فعل اختياري لها وقد أضافه الله تعالى إلى نفسه، ثم إن الكفار كانوا يمتنعون من الإيمان ولا يلتفتون إلى دعوة الرسول وكان تعويلهم على أمرين: أحدهما القوة من جهة الإخوان والأعوان. والثاني الاستظهار بالأصنام والأوثان وكانوا يقولون إنها توصل إلينا جميع الخيرات وتدفع عنا كل الآفات، فأبطل الله الأول بقوله: {أمن هذا الذي} يعني من يشار إليه من المجموع ويقال هذا الذي {هو جند لكم} هو {ينصركم من دون الرحمن} إن أرسل عذابه عليكم {إن الكافرون إلا في غرور} من الشياطين يغرونهم أن العذاب لا ينزل بهم ولو أنزل دفعه أصنامهم وأبطل الثاني بقوله: {أمن هذا الذي} يشار إليه هذا الذي {يرزقكم} بزعمكم {إن أمسك} الله {رزقه} بإمساك أسبابه من المطر وغيره هل يقدر على رزقكم {بل لجوا في عتو} وتباعد عن الحق {ونفور} عنه بالطبع والأول دليل فساد القوة العلمية، والثاني إشارة إلى فساد القوة النظرية. ثم نبه على قبح هذين الوصفين قائلا {أفمن يمشي مكبا} قال الواحدي (أكب) مطاوع (كب). وأنكر عليه صاحب الكشاف بأن مطاوع (كب) هو (انكب) ومثله (قشعت الريح السحاب فانقشع) وأما الهمزة في (أكب) و(أقشع) فللصيرورة أي صار ذا كب وقشع، أو دخل فيهما ولا شيء من بناء أفعل مطاوعا ولا يخفى أن هذا نزاع لفظي، أما المثل فقيل: هو في حق راكب التعاسيف وفي الذي يمشي على الصراط السوي وقيل: هو الأعمى والبصير أو العالم والجاهل.
وعن قتادة: الكافر أكب على معاصي الله فحشره يوم القيامة على وجهه، والمؤمن كان على الدين الواضح فهداه الله للطريق السوي إلى الجنة. ومنهم من قال: هو في شخصين فقال مقاتل: أبو جهل والنبي صلى الله عليه وسلم وقال عطاء عن ابن عباس: أبو جهل وحمزة بن عبد المطلب. وعن عكرمة: أبو جهل وعمار بن ياسر. والأصح التعميم وإن كان السبب خاصا. البرهان الثاني ابتداء خلق الإنسان وتبيين جوارحه. وفي قوله: {قليلا ما تشكرون} إشارة إلى أنه أعطاهم هذه القوى الشريفة ولكنهم ضيعوها في غير ما خلقت لأجله. البرهان الثالث ذرء الناس ونشرهم {في الأرض} ثم أشار إلى المعاد بقوله: {وإليه تحشرون} لأن القادر على البدء أقدر على الإعادة وقد مر نظير الآيتين في سورة (المؤمنين). وحين أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخوفهم بعذاب الله حكى عن الكفار أنهم طالبوه بتعيين الوقت. قال أبو مسلم: المراد كانوا {يقولون متى هذا الوعد} يعني العذاب النازل بعاد وثمود وغيرهما لقوله بعد ذلك {فلما رأوه} ومن حمل اللفظ على المستقبل وفسر الوعد بالقيامة كان قوله: {فلما رأوه} من قبيل {وسيق} [الزمر: 72] وأجابهم الله بقوله: {قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين} العلم بوقوعه حاصل عندي وكان كافيا الإنذار والتحذير، وأما العلم بوقته فليس إلا لله ولا حجة في النذارة إلى ذلك. والضمير في {رأوه} للوعيد في الدنيا أو في الآخرة والزلفة القرب. قال الحسن: أراد عيانا لأن ما قرب من الإنسان رآه معاينة. وقال في الكشاف: انتصابها على الحال أو الظرف أي رأو ذا زلفة أو مكانا ذا زلفة. قوله: {سيئت} قال ابن عباس: اسودت وعلتها الكآبة والقترة كوجه من يقاد إلى القتل. وقال الزجاج: تبين فيها السوء وهذا الفعل يستعمل لازما ومتعديا بمعنى القبح أو التقبيح. قوله: {وقيل هذا الذي} الأكثرون على أن القائلين هم الزبانية. وقال آخرون: بل يقول بعضهم لبعض. و{تدعون} تفعلون من الدعاء أي تتمنون وتستعجلون به ويؤيده قراءة من قرأ بالتخفيف. وقيل: هو من الدعوى أي كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون وكنتم ببطلانه مدعين. وقيل: استفهام على سبل الإنكار والمعنى، أهذا ما ادعيتموه لا بل كنتم بسببه تدعون عدمه. يروى أن كفار مكة كانوا يدعون على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين. بالهلاك ويتربصون بهم الدوائر فأمر الله بنوعين من الجواب الأول. {قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي} كما تتمنون فنقلب إلى الجنة {أو رحمنا} بالنصرة وإمهال المدة كما نرجو {فمن يجير الكافرين من عذاب} النار فنحن متربصون لإحدى الحسنيين وأنتم هالكون بالهلاك الذي لا هلاك بعده، وإن أهلكنا الله بالموت فمن يخلصكم من النار بعد موت هداتكم؟ وإن رحمنا بالإمهال والغلبة عليكم فمن ينجيكم من العذاب فإن المقتول على أيدينا هالك؟ وإن أهلكنا الله في الآخرة بذنوبنا ونحن له مسلمون فأي خلاص ومناص للكافرين؟ وإن رحمنا لأجل الإيمان فمن يرحم الكافرين ولا إيمان لهم؟ النوع الثاني في الجواب {قل هو الرحمن آمنا به} ولم نكفر كما كفرتم {وعليه} خاصة {توكلنا} لا على غيره، وفيه تعريض بالكفرة أنهم متكلون على الرجال والأموال وإذا كانت حالنا هكذا فكيف يقبل الله دعاءكم علينا؟ ثم أشار إلى وجوب الاعتماد عليه في كل حاجة مع أنه برهان آخر على كمال قدرته ووحدانيته فقال: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا} أي غائرا مصدر بمعنى الفاعل للمبالغة.
عن الكلبي: لا تناله الدلاء. والمعين الجاري على وجه الأرض وقد ذكرنا الخلاف في اشتقاقه في (الصافات). يحكى أن بعض المتجبرين على الله قرئت الآية عنده فقال: تأتينا به الفؤس والمتكل فذهب ماء عينيه وهذا من الإعجاز. قال مؤلف الكتاب: وحكم القريحة كذلك فإن فتح باب العويصات لا يتيسر إلا بإعانة رب الأرض والسموات والله الموفق وإليه المآب وبالله التوفيق والنصر. اهـ.